فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قال القاضي: إن التحريف إما أن يكون في اللفظ أو في المعنى، وحمل التحريف على تغيير اللفظ أولى من حمله على تغيير المعنى، لأن كلام الله تعالى إذا كان باقيًا على جهته وغيروا تأويله فإنما يكونون مغيرين لمعناه لا لنفس الكلام المسموع، فإن أمكن أن يحمل على ذلك كما روي عن ابن عباس من أنهم زادوا فيه ونقصوا فهو أولى، وإن لم يمكن ذلك فيجب أن يحمل على تغيير تأويله وإن كان التنزيل ثابتًا، وإنما يمتنع ذلك إذا ظهر كلام الله ظهورًا متواترًا كظهور القرآن، فأما قبل أن يصير كذلك فغير ممتنع تحريف نفس كلامه، لكن ذلك ينظر فيه، فإن كان تغييرهم له يؤثر في قيام الحجة به فلابد من أن يمنع الله تعالى منه وإن لم يؤثر في ذلك صح وقوعه فالتحريف الذي يصح في الكلام يجب أن يقسم على ما ذكرناه، فأما تحريف المعنى فقد يصح على وجه ما، لم يعلم قصد الرسول باضطرار فإنه متى علم ذلك امتنع منهم التحريف لما تقدم من علمهم بخلافه كما يمتنع الآن أن يتأول متأول تحريم لحم الخنزير والميتة والدم على غيرها. اهـ.

.فصل: التحريف في زمن موسى عليه السلام:

قال الفخر:
اعلم أنا إن قلنا بأن المحرفين هم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام، فالأقرب أنهم حرفوا ما لا يتصل بأمر محمد صلى الله عليه وسلم.
روي أن قومًا من السبعين المختارين سمعوا كلام الله حين كلم موسى بالطور وما أمر به موسى وما نهى عنه، ثم قالوا: سمعنا الله يقول في آخره: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم أن لا تفعلوا فلا بأس، وأما إن قلنا: المحرفون هم الذين كانوا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام فالأقرب أن المراد تحريف أمر محمد عليه الصلاة والسلام، وذلك إما أنهم حرفوا نعت الرسول وصفته أو لأنهم حرفوا الشرائع كما حرفوا آية الرجم وظاهر القرآن لا يدل على أنهم أي شيء حرفوا. اهـ.
سؤال: لقائل أن يقول: كيف يلزم من إقدام البعض على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين، فإن عناد البعض لا ينافي إقرار الباقين؟
أجاب القفال عنه فقال: يحتمل أن يكون المعنى كيف يؤمن هؤلاء وهم إنما يأخذون دينهم ويتعلمونه من قوم هم يتعمدون التحريف عنادًا، فأولئك إنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه والمقلدة لا يقبلون إلا ذلك ولا يلتفتون إلى قول أهل الحق وهو كقولك للرجل: كيف تفلح وأستاذك فلانا أي وأنت عنه تأخذ ولا تأخذ عن غيره. اهـ.

.فائدة: الاختلاف في قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ}:

قال الفخر:
اختلفوا في قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ} فقال قائلون: آيسهم الله تعالى من إيمان هذه الفرقة وهم جماعة بأعيانهم.
وقال آخرون: لم يؤيسهم من ذلك إلا من جهة الاستبعاد له منهم مع ما هم عليه من التحريف والتبديل والعناد، قالوا: وهو كما لا نطمع لعبيدنا وخدمنا أن يملكوا بلادنا.
ثم إنا لا نقطع بأنهم لا يملكون بل نستبعد ذلك.
ولقائل أن يقول: إن قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} استهفام على سبيل الإنكار، فكان ذلك جزمًا بأنهم لا يؤمنون ألبتة فإيمان من أخبر الله عنه أنه لا يؤمن ممتنع، فحينئذ تعود الوجوه المقررة للخبر على ما تقدم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ}، فالمراد أنهم علموا بصحته وفساد ما خلقوه فكانوا معاندين مقدمين على ذلك بالعمد، فلأجل ذلك يجب أن يحمل الكلام على أنهم العلماء منهم وأنهم فعلوا ذلك لضرب من الأغراض على ما بينه الله تعالى من بعد في قوله تعالى: {واشتروا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 187] وقال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} [البقرة: 146]، [الأنعام: 20] ويجب أن يكون في عددهم قلة لأن الجمع العظيم لا يجوز عليهم كتمان ما يعتقدون لأنا إن جوزنا ذلك لم يعلم المحق من المبطل وإن كثر العدد.
أما قوله تعالى: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فلقائل أن يقول: قوله تعالى: {عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} تكرار لا فائدة فيه: أجاب القفال عنه من وجهين، الأول: من بعد ما عقلوه مراد الله فأولوه تأويلًا فاسدًا يعلمون أنه غير مراد الله تعالى.
الثاني: أنهم عقلوا مراد الله تعالى، وعلموا أن التأويل الفاسد يكسبهم الوزر والعقوبة من الله تعالى، ومتى تعمدوا التحريف مع العلم بما فيه من الوزر كانت قسوتهم أشد وجراءتهم أعظم، ولما كان المقصود من ذلك تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام وتصبيره على عنادهم فكلما كان عنادهم أعظم كان ذلك في التسلية أقوى. اهـ.

.فصل: خلق الإيمان والكفر:

قال الفخر:
قال القاضي قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} على ما تقدم تفسيره، يدل على أن إيمانهم من قبلهم لأنه لو كان بخلق الله تعالى فيهم لكان لا يتغير حال الطمع فيهم بصفة الفريق الذي تقدم ذكرهم، ولما صح كون ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين لأن على هذا القول أمرهم في الإيمان موقوف على خلقه تعالى ذلك، وزواله موقوف على أن لا يخلقه فيهم ومن وجه آخر وهو أعظامه تعالى لذنبهم في التحريف من حيث فعلوه وهم يعلمون صحته، ولو كان ذلك من خلقه لكان بأن يعلموا أو لا يعلموا لا يتغير ذلك وإضافته تعالى التحريف إليهم على وجه الذم تدل على ذلك، واعلم أن الكلام عليه قد تقدم مرارًا وأطوارًا فلا فائدة في الإعادة. اهـ.

.فائدة: المعاند وقربه من الرشد وبعده:

قال الفخر:
قال أبو بكر الرازي: تدل الآية على أن العالم المعاند فيه أبعد من الرشد وأقرب إلى اليأس من الجاهل، لأن قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} يفيد زوال الطمع في رشدهم لمكابرتهم الحق بعد العلم به. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}.
أنبأهم عن إيمانهم، وذكر أنهم بعد سماع الخطاب من الله سبحانه حرَّفوا وبدّلوا فكيف يؤمنون لكم وإنما يسمعون بواسطة الرسالة، ومن لم يَبقَ على الإيمان بعد العيان فكيف يؤمن بالبرهان، والذي لم يصلح للحق لا يصلح لكم، ومن لم يحتشم من الحق فكيف يحتشم منكم؟. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ}.
استفهام على سبيل الاستغراب فيتناول النّبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أو على الإنكار فيتناول المؤمنين فقط.
قوله تعالى: {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ}.
ابن عطية: قال ابن إسحاق: وهم السبعون الّذين سمعوا كلام الله مع موسى، ثم بدلوه.
ابن عطية: وهذا ضعيف وخطأ لأن فيها إذهابا لفضيلة موسى في اختصاصه بالتّكليم.
قال ابن عرفة: بل هو مقرر للفضيلة لأنهم إنما سمعوا كلام الله بحضرته من أجله وعلى سبيل التّبعية له.
وقيل: المراد سماعهم تلاوة التوراة والصحف من موسى، وكونهم بدلوا فيها وغيّروا، فالسماع الأول حقيقة وهذا شبه مجاز في المسموع لا في نفس السّماع، لأن مسموعهم ليس هو كلام الله تعالى، إنما هو كلام موسى عليه السلام، ومدلوله كلام الله، ونظيره سماعك كلام زيد من ناقل نقله عنه.
قال الزمخشري: والمراد بالتحريف ما يتلونه من التوراة، ثم يحرفونه كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم.
قيل لابن عرفة: لم يبدلوا آية الرجم إنما وضع مدرّسهم يده عليها فقط؟
فقال: المراد بالتحريف الكتم أو عدم العمل بمقتضاها.
قيل لابن عرفة: إن الشيخ أبا علي ناصر الدين البجائي المشذالي كان يحتج بهذه الآية على إثبات العمل بالقياس، وقرره بأنه سجل على هؤلاء بالكفر قياسا على أحبارهم ومن سلف منهم الذين شاهدوا الآيات البينات وسمعوا كلام الله إمّا مشافهة أو بواسطة؟
فقال ابن عرفة: إنما فيها استحالة ثبوت المعنى وهو الإيمان لوجود المانع منه وهو أحبارهم يحدثونهم بتحريف من سلف منهم وكفرهم.
واللام في قوله عز وجل: {يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} الأصوب أن تكون بمعنى مع ويبعد كونها للتعليل أي يؤمنوا لأجلكم لأن مفهومه حصول الإيمان منهم بسبب آخر غير المؤمنين. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} ذكروا في سبب نزول هذه الآية أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في الأنصار، وكانوا حلفاء لليهود، وبينهم جوار ورضاعة، وكانوا يودون لو أسلموا.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يودون إسلام من بحضرتهم من أبناء اليهود، لأنهم كانوا أهل كتاب وشريعة، وكانوا يغضبون لهم ويلطفون بهم طمعًا في إسلامهم.
وقيل: نزلت فيمن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من أبناء السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام في الطور، فسمعوا كلام الله، فلم يمتثلوا أمره، وحرّفوا القول في أخبارهم لقومهم، وقالوا: سمعناه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا.
وقيل: نزلت في علماء اليهود الذين يحرفون التوراة، فيجعلون الحلال حرامًا، والحرام حلالًا، اتباعًا لأهوائهم.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل علينا قصبة المدينة إلا مؤمن».
قال كعب بن الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما: اذهبوا وتجسسوا أخبار من آمن، وقولوا لهم آمنا، واكفروا إذا رجعتم، فنزلت.
وقيل: نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين: نحن نؤمن أنه نبي، لكن ليس إلينا، وإنما هو إليكم خاصة، فلما خلوا، قال بعضهم: أتقرون بنبوّته وقد كنا قبل نستفتح به؟ فهذا هو الذي فتح الله عليهم من علمه.
وقيل: نزلت في قوم من اليهود كانوا يسمعون الوحي، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه.
وهذه الأقاويل كلها لا تخرج عن أن الحديث في اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم الذين يصح فيهم الطمع أن يؤمنوا، لأن الطمع إنما يصح في المستقبل، والضمير في {أن يؤمنوا لكم} لليهود.
والمعنى: استبعاد إيمان اليهود، إذ قد تقدّم لأسلافهم أفاعيل، وجزى أبناؤهم عليها.
فبعيد صدور الإيمان من هؤلاء، فإن قيل: كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين؟ قيل: قال القفال: يحتمل أن يكون المعنى: كيف يؤمن هؤلاء وهم إنما يأخذون دينهم ويتعلمونه من قوم يحرفون عنادًا؟ فإنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه، والمقلدون يقبلون ذلك منهم، فلا يلتفتون إلى الحق.
وقيل: إياسهم من إيمان فرقة بأعيانهم.
والهمزة في أفتطعمون للاستفهام، وفيها معنى التقرير، كأنه قال: قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم ما ذكر.
وقيل: فيه ضرب من النكير على الرغبة في إيمان من شواهد امتناعه قائمة.
واستبعد إيمانهم، لأنهم كفروا بموسى، مع ما شاهدوا من الخوارق على يديه، ولأنهم ما اعترفوا بالحق، مع علمهم، ولأنهم لا يصلحون للنظر والاستدلال.
والخطاب في أفتطعمون، للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
خاطبه بلفظ الجمع تعظيمًا له، قاله ابن عباس ومقاتل، أو للمؤمنين، قاله أبو العالية وقتادة، أو للأنصار، قاله النقاش، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أو لجماعة من المؤمنين، أو لجماعة من الأنصار.
والفاء بعد الهمزة أصلها التقديم عليها، والتقدير: أفتطعمون، فالفاء للعطف، لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام، فقدمت عليها.
والزمخشري يزعم أن بين الهمزة والفاء فعل محذوف، ويقر الفاء على حالها، حتى تعطف الجملة بعدها على الجملة المحذوفة قبلها، وهو خلاف مذهب سيبويه، ومحجوج بمواضع لا يمكن تقدير فعل فيها، نحو قوله: {أو من ينشأ في الحلية} {أفمن يعلم أنما أنزل إليك} {أفمن هو قائم} أن يؤمنوا معمول لتطعمون على إسقاط حرف الجر، التقدير: في أن يؤمنوا، فهو في موضع نصب، على مذهب سيبويه، وفي موضع جر، على مذهب الخليل والكسائي.
ولكم: متعلق بيؤمنوا، على أن اللام بمعنى الباء، وهو ضعيف، ولام السبب أي أن يؤمنوا لأجل دعوتكم لهم.
{وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله}، الفريق: قيل: الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد والسدّي.
وقيل: جماعة من اليهود كانوا يسمعون الوحي، إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحرفونه، قصد أن يدخلوا في الدين ما ليس فيه، ويحصل التضاد في أحكامه.
وقيل: كل من حرف حكمًا، أو غيره، كفعلهم في آية الرجم ونحوها.
وقيل: هم السبعون الذين سمعوا مع موسى عليه السلام كلام الله، ثم بدلوا بعد ذلك، وقد أنكر أن يكونوا سمعوا كلام الله تعالى.
قال ابن الجوزي: أنكر ذلك أهل العلم، منهم: الترمذي، صاحب النوادر، وقال: إنما خص موسى عليه السلام بالكلام وحده.
وكلام الله الذي حرفوه، قيل: هو التوراة، حرفوها بتبديل ألفاظ من تلقائهم، وهو قول الجمهور.
وقيل: بالتأويل، مع بقاء لفظ التوراة، قاله ابن عباس.
وقيل: هو كلام الله الذي سمعوه على الطور.
وقيل: ما كانوا يسمعونه من الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ الأعمش: كلم الله، جمع كلمة، وقد يراد بالكلمة: الكلام، فتكون القراءتان بمعنى واحد.
وقد يراد المفردات، فيحرفون المفردات، فتتغير المركبات، وإسنادها بتغير المفردات.
{ثم يحرّفونه}: التحريف الذي وقع، قيل: في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم وصفوه بغير الوصف الذي هو عليه، حتى لا تقوم عليهم به الحجة.
وقيل: في صفته، وفي آية الرجم.
{من بعد ما عقلوه} أي من بعد ما ضبطوه وفهموه، ولم تشتبه عليهم صحته.
وما مصدرية، أي من بعد عقلهم إياه، والضمير في عقلوه عائد على كلام الله.
وقيل: ما موصولة، والضمير عائد عليها، وهو بعيد.
{وهم يعلمون}: ومتعلق العلم محذوف، أي أنهم قد حرفوه، أو ما في تحريفه من العقاب، أو أنه الحق، أو أنهم مبطلون كاذبون.
والواو في قوله: {وقد كان فريق}، وفي قوله: {وهم يعلمون}، واو الحال.
ويحتمل أن يكون العامل في الحال قوله: {أفتطعمون}؟ ويحتمل أن يكون: {أن يؤمنوا}.
فعلى الأول يكون المعنى: أفيكون منكم طمع في إيمان اليهود؟ وأسلافهم من عادتهم تحريف كلام الله، وهم سالكو سننهم ومتبعوهم في تضليلهم، فيكون الحال قيدًا في الطمع المستبعد، أي يستبعد الطمع في إيمان هؤلاء وصفتهم هذه.
وعلى الثاني يكون المعنى استبعاد الطمع في أن يقع من هؤلاء إيمان، وقد كان أسلافهم على ما نص من تحريف كلام الله تعالى.
فعلى هذا يكون الحال قيدًا في أيمانهم.
وعلى كلا التقديرين، فكل منهما، أعني من: أفتطعمون، ومن يؤمنوا، مقيد بهذه الحال من حيث المعنى.
وإنما الذي ذكرناه تقتضيه صناعة الإعراب.
وبيان التقييد من حيث المعنى أنك إذا قلت: أتطمع أن يتبعك زيد؟ وهو متبع طريقة أبيه، فاستبعاد الطمع مقيد بهذه الحال، ومتعلق الطمع، الذي هو الاتباع المفروض وقوعه، مقيد بهذه الحال.
فمحصوله أن وجود هذه الحال لا يجامع الاتباع، ولا يناسب الطمع، بل إنما كان يناسب الطمع ويتوقع الاتباع، مع انتفاء هذه الحال.
وأما العامل في قوله: {وهم يعلمون}، فقوله: {ثم يحرفونه}، أي يقع التحريف منهم بعد تعقله وتفهمه، عالمين بما في تحريفه من شديد العقاب، ومع ذلك فهم يقدمون على ذلك، ويجترئون عليه.
والإنكار على العالم أشدّ من الإنكار على الجاهل، لأن عند العالم دواعي الطاعة، لما علم من ثوابها، وتواني المعصية لما علم من عقابها.
وذهب بعضهم إلى أن العامل في قوله: {وهم يعلمون}، قوله: {عقلوه}، والظاهر القول الأول، وهو قوله: {يحرفونه}. اهـ.